هل جعلنا الذكاء الاصطناعي أكثر عزلــــــة؟

التاريخ : 2025-12-14

مدة القراءة : 3 دقائق

في السابق، كانت الأسئلة الصغيرة هي بذرة العلاقات في العمل. سؤال عابر يتحوّل إلى نقاش، نقاش يتحوّل إلى فكرة، وفكرة تُنقذ مشروعًا كاملًا.. واليوم، كثير من هذه الأسئلة لم تعد تُقال بصوت عالٍ. تُكتب.. وتُرسل إلى شاشة. في يوم عمل مزدحم، قد تمرّ ساعات كاملة دون أن تتحدث مع أي شخص. ليس لأنك منعزل، بل لأن كل ما تحتاجه صار متاحًا فورًا: إجابة سريعة، فكرة أولية، حتى رأي مهني… كل ذلك من دون مقاطعة أحد أو انتظار رد. العمل يمشي، الإنتاجية عالية، والمهام تُنجز بسلاسة.

هذا التحوّل لا يبدو مشكلة في ظاهره، لكنه يطرح سؤال مهم: هل جعلتنا أدوات العمل الجديدة أكثر استقلالية، أم أكثر وحدة؟

الكفاءة ترتفع.. لكن العلاقات تتراجع

في شركات التقنية الكبرى، بدأ الموظفون يلجؤون إلى روبوتات المحادثة بدل زملائهم لطلب النصيحة أو حتى للتفكير المشترك. وبعض المهندسين يقولون أن فرص الإرشاد والتعاون أصبحت أقل، ليس لأن الناس غير موجودين، بل لأن السؤال صار يُطرح أولًا على آلة. إحدى الدراسات وجدت أن ٦٤٪ من الموظفين الذين قالوا أن الذكاء الاصطناعي زاد إنتاجيتهم، يشعرون أيضًا أن علاقتهم به أصبحت أفضل من علاقتهم بزملائهم في العمل.

لماذا نفضّل التحدث مع روبوت؟

السبب بسيط: الذكاء الاصطناعي لا يقاطعك، لا ينتقدك علنًا، لا يماطل، ولا يجعلك تشعر بالحرج من سؤال “بديهي”. هو زميل بلا مزاج، بلا جدول مزدحم، وبلا آراء شخصية.

الخطر الخفي:

الزملاء البشر -بكل إزعاجهم- يضيفون شيئًا لا يستطيع الروبوت تقديمه وهو الاحتكاك. السؤال المعاكس، الملاحظة غير المتوقعة، أو حتى الاعتراض الذي يجعل الفكرة أقوى. عندما يعطيك الذكاء الاصطناعي دائمًا ما تريد سماعه، يصبح التفكير أكثر سلاسة… وأقل عمقًا. بعض الخبراء يحذرون من أن هذا النوع من “التغذية الراجعة المريحة” قد يؤدي على المدى البعيد إلى فرق عمل أكثر كفاءة، لكن أقل تماسكًا.

الوضع مو جديد..

الذكاء الاصطناعي لم يصنع هذا الشعور من فراغ، لكنه كشفه ووسّعه. منذ تحوّلات العمل بعد ٢٠٢٠م بدأ الارتباط العاطفي بين الموظفين وأماكن عملهم يضعف تدريجيًا. الاجتماعات زادت، والإنجازات تسارعت، لكن التواصل الإنساني تراجع. المفارقة أن التقنيات التي وُجدت لتسهيل التعاون، جعلت كل شخص يعمل بكفاءة أعلى ولكن في مساحة أضيق، وأكثر عزلة. العمل مستمر، لكن الإحساس بالمشاركة أصبح أخف، وأقل حضورًا مما كان عليه سابقًا.

**الجانب الآخر: **

بعض الخبراء يرون الصورة من زاوية مختلفة: استخدام الذكاء الاصطناعي ليس انسحابًا من التفاعل البشري، بل تحضيرًا له. مكان لتجربة الأفكار، ترتيب الحديث، وصقل الأسئلة قبل طرحها على البشر.

في النهاية:

الذكاء الاصطناعي يملأ الفراغ بكفاءة، لكنه لا يصنع المعنى. يمكنه أن يختصر الوقت، لا أن يبني علاقة، وأن يقدم إجابة، لا أن يخلق نقاش. ربما لا نحتاج أن نختار بين الإنسان والآلة، بل أن نتذكر لماذا نعمل معًا أصلًا. فالأفكار الأقوى لا تولد من سرعة الرد، بل من الاحتكاك، والاختلاف، وتلك اللحظات غير المخطط لها التي لا يستطيع أي روبوت أن يقلّدها. وإذا كان الذكاء الاصطناعي قد جعلنا نعمل أسرع، فالسؤال الحقيقي يبقى: هل ما زلنا نعمل معًا؟

اشترك معنا:

اقرأ المزيد من القصص والأخبار المماثلة يوميًا على بريدك.

شارك القصة عبر :

انسخ الرابط