
التاريخ : 2025-11-12

مدة القراءة : 2 دقائق
كان يُروَّج له كرمز للطموح والذكاء المالي، وفرصة لزيادة المدخرات، أو تمويل لإجازة الأحلام، أو حتى لبناء مشروعك الخاص بعيداً عن قيود الوظيفة التقليدية. لكن فجأة، وبصمت، تغيرت القصة. "العمل الإضافي" لم يعد الهدف منه الترف، ولم تعد الرفاهية هي الدافع.
في الوقت الذي يستنزف فيه التضخم جيوب الموظفين حول العالم وتتزايد فيه تكاليف الإيجار والطعام بشكل جنوني، تحول العمل الإضافي من "ميزة إضافية لطيفة" إلى حاجة ماسة للبقاء. تشير الأرقام الحديثة إلى أن ما يقرب من ثلث الموظفين الآن يعملون في وظيفة ثانية فقط لتغطية الضروريات الأساسية، مثل الإيجار والفواتير. هذه ليست خططاً استثمارية، بل معركة يومية للبقاء على قيد الحياة.
يجد نصف العاملين بدوام كامل أنفسهم مجبرين على قضاء أكثر من ١٠ ساعات إضافية أسبوعيًا في العمل الجانبي. تخيل موظفًا يقضي ٤٠ إلى ٥٠ ساعة في عمله الرئيسي، ليضيف إليها ساعات عمل أخرى لا تقل عن ساعتين يوميًا. هذا الوقت لا يُسرق فقط من الراحة الشخصية أو العائلة؛ بل يُسرق أيضاً من التركيز الكامل على وظيفته الأصلية. وكما يحذر خبراء التوظيف: عندما تعمل ٥٠ + ١٠ ساعات في الأسبوع، فإن الاحتراق الوظيفي ليس خطراً، بل هو مصير محتوم. وهذا الإرهاق الشديد هو الفاتورة الخفية التي تدفعها الشركات على هيئة انخفاض في الإنتاجية، تراجع في الابتكار، وارتفاع في تكاليف دوران الموظفين.
الأكثر إثارة للقلق هو نظرة الجيل الأصغر، "جيل زد" بالنسبة لهم لم يعد الدخل الإضافي مجرد حل مؤقت، بل أصبح ركيزة في التخطيط للمستقبل. يعتقد عدد كبير من هؤلاء الشباب أن العمل الجانبي يجعلهم أكثر تفاؤلاً بشأن مسيرتهم المهنية. والأخطر، أن ربع العاملين في هذا المجال واثقون من قدرتهم على تحويل عملهم الجانبي إلى وظيفة بدوام كامل والانفصال عن الشركات التقليدية تماماً.
إن العمل الجانبي بهذا الانتشار ليس مؤشراً على المرونة، بل هو صفارة إنذار ضخمة توجه للشركات ورسالة واضحة بأن الأجر الذي يدفعونه لم يعد أجراً معيشياً يواكب الواقع الاقتصادي. إن إهمال معالجة مشكلة ثبات الأجور يُعرّض الشركات لخسارة المواهب لصالح منافسين، أو لصالح مشاريع موظفيها الخاصة. الحقيقة القاسية: العمل الجانبي هو مجرد ضمادة مؤقتة لمشكلة هيكلية أعمق. التغيير يجب أن يبدأ بمعالجة الأجور، قبل أن يؤدي الإجهاد الجماعي إلى انهيار هذا النموذج الوظيفي بالكامل.
اقرأ المزيد من القصص والأخبار المماثلة يوميًا على بريدك.
