ما بعد الارتباط الوظيفي: من قياس الولاء إلى رعاية الإنسان 💼

التاريخ : 2025-10-13

مدة القراءة : 3 دقائق

أحياناً تتغير بيئة العمل دون أن نلاحظ. نستيقظ لنجد أن الكلمات التي كنا نرددها بحماس مثل "التحفيز"، و"الانتماء"، و"الولاء"، أصبحت تُقال كعبارات محفوظة أكثر من كونها مشاعر حقيقية. ورغم كل الجهود لتحسين "الارتباط الوظيفي"، ما زال الموظف يشعر أنه يعمل أكثر ويعيش أقل. في اليوم العالمي للصحة النفسية، تبدو بيئات العمل مرآة صادقة لحالتنا النفسية. أماكن يفترض أن تبنينا، لكنها أحياناً تستهلكنا ببطء. 

البحث عن الارتباط، ونسيان الإنسان

مفهوم الارتباط الوظيفي هو الدرجة التي يشعر فيها الموظف بالحماس والانتماء والتفاعل الحقيقي مع عمله. فعلى مدى عقدين، طاردت الشركات فكرة الارتباط الوظيفي، فأجرت استبيانات، استعانت بمستشارين، وعقدت ورش عمل تعد بالتغيير، لكن الهدف انحرف ببطء، وأصبح التركيز على الأرقام بدل الناس، وعلى المؤشرات بدل التجارب اليومية. وهنا المفارقة: رغم مليارات الدولارات التي صُرفت على تحسين الارتباط، لم يتحرّك المؤشر فعليًا. فالنسبة العالمية للارتباط ما زالت عالقة عند ٢١٪ فقط، كما كانت قبل أكثر من عشر سنوات، وفي أمريكا تحديداً انخفضت إلى ٣١٪ كأدنى مستوى خلال عقد كامل. وفي الوقت الذي احتفلت فيه الشركات بارتفاع طفيف في نسب الارتباط، كانت مؤشرات التوتر والاحتراق ترتفع بصمت. فتقاريرGallup الحديثة تظهر أن ٤٤٪ من الموظفين حول العالم يعانون توتراً يومياً في العمل، وأن المدراء أنفسهم هم الأقل ارتباطاً بوظائفهم.

أرقام بلا روح

فكرة قياس الارتباط الوظيفي "مش بطّالة" في جوهرها، فمن الطبيعي أن تسعى المؤسسات إلى بيئة عمل تُشعل الحماس وتدعم الولاء. لكن التطبيق تحول إلى روتين إداري ممل: نقيس، نجمع البيانات، وبعدين نرجع نشتغل كأن شي لم يحصل. ومع الوقت، أصبح مفهوم "الارتباط" أشبه بمؤشر مالي أكثر منه علاقة إنسانية، والنتيجة هي فرق عمل متعبة، ومدراء يفتقدون الشغف، وبيئات تبدو مشغولة لكنها فارغة من الروح.

من "الارتباط" إلى "الرفاه"

في السنوات الأخيرة، بدأت بعض الشركات تدرك أن المشكلة ليست في الأرقام، بل كيف وماذا تقيس هذه الأرقام. الموظف اليوم لا يريد أن يُقاس، بل أن يُفهَم. ففي تقرير حديث من معهد ماكنزي الصحي لخّص فيه التحول إلى الرفاه بوضوح: "رفاه الموظف لم يعد مبادرة جانبية، بل أصبح أولوية قيادية." والمطلوب اليوم ليس تحسين المؤشرات السنوية، بل قياس النبض الحقيقي للعاملين: كيف يشعرون؟ هل يجدون التوازن؟ هل يشعرون بالدعم؟ فالعمل لم يعد مجرد إنتاج، بل تجربة يومية تمس النفس والعقل معاً.

نبض الموظف بدل مؤشّره

الاتجاه الجديد في إدارة الموارد البشرية هو استطلاعات النبض التنظيمي (Pulse Surveys)، وهي أدوات قصيرة ومتكررة تُرسل للموظفين بشكل دوري، وتعطي القادة صورة فورية وواقعية عن الحالة العامة داخل فرق العمل. وقد تتكون هذه الاستطلاعات من أسئلة بسيطة، لكنها تكشف الكثير: هل كان عبء العمل هذا الأسبوع مناسباً؟ هل تلقيت من مديرك دعمًا وتوجيهًا واضحاً؟ هل تشعر أنك تتطور في عملك وتتعلم شيئًا جديداً؟ ميزة هذه الاستطلاعات أنها تقيس ما يحدث بعدها. حيث يتحوّل القياس من إجراء شكلي إلى حوار حقيقي، ويصبح التواصل اليومي مع الموظف جزءاً من ثقافة العمل، وليس قياس روتيني معتاد في نهاية العام.

الصورة الكبرى

العمل لم يعد مجرد مكان، بل منظومة حياة. لذلك الشركات التي ستنجح في المستقبل ليست التي تقيس ارتباط موظفيها، بل التي ترعى صحتهم النفسية وتوازنهم الإنساني. فالارتباط الحقيقي لا يُخلق بالاستبيانات، بل حين يشعر الموظف أن عمله يضيف لحياته، لا يحتلّهـــا. 

اشترك معنا:

اقرأ المزيد من القصص والأخبار المماثلة يوميًا على بريدك.

شارك القصة عبر :

انسخ الرابط