التاريخ : 2025-06-12
مدة القراءة : 2 دقائق
العدالة كلمة تحمل في داخلها نُبلاً مغرياً. فالكل يحب أن يكون عادلاً أو يُعامل بعدل. لكن تحت هذا النُبل يكمن فخّ خطير: التعلق المفرط بالعدالة. هذا التعلق "مو العدالة نفسها" هو اللي يخرب أقوى العلاقات بهدوء وبلا مقدمات.
العدالة من أقرب الطرق الذهنية اللي نحكم بها على الناس والمواقف. "أنا تعبت أكثر = أستحق أكثر"، "هو نسى = هو ما يهتم" وبكذا العدالة تصير بوصلة أخلاقية سريعة، لكنها أحياناً تقودنا نحو الاتجاه الخطأ. لأنها مبنية على شعور داخلي أكثر من كونها حقيقة خارجية.
في تجربة مهنية تمتد لـ ٣٤ سنة وأكثر من ٤٢ ألف ساعة استماع لقصص الناس في جلسات العلاج، يصف أحد المتخصصين كيف أن كلمة "هذا مو عدل" هي أحد أكثر العبارات تكراراً في العلاقات المتأزّمة. ويدعم ذلك أبحاث علم الأعصاب التي توضح أن إحساسنا بعدم العدالة يحرّك في الدماغ مراكز العاطفة والانفعال — خصوصًا تلك المرتبطة بالغضب، الضيق، والرغبة في العقاب. ببساطة: العدالة تشتغل فينا قبل لا نشتغل فيها.
اللي تحسّه “مو عادل” قد يكون في نظر غيرك مبرر أو حتى عادي. لأن تصورنا للعدالة مبني على تجربتنا: كم تعبنا؟ كم ضحّينا؟ وش كنا نتوقع؟ حتى الأفعال غير المرئية مثل النية الطيبة، التفكير بالآخر، أو الصبر، نعتبرها ضمن “رصيدنا”. لكن الطرف الثاني ما يراها بالضرورة.
في الحب، "أنا أشيل البيت والمشاعر والتنظيم" تقابلها "أنا أشتغل وأوفّر كل شيء". في العمل، "ليش فلان ترقّى؟ أنا سويت زيه وأكثر". وفي الصداقة، "أنا أتذكره… هو ناسي حتى اسمي". المشكلة؟ كل طرف يشوف نفسه الضحية، والعدالة تصير سلاح بدل ما تكون جسر.
بدل ما تسأل "هل هذا عادل؟، جرّب تسأل: هل هذا نافع للطرفين؟ هل أنا فاهم وش يضيف الطرف الثاني؟ هل أنا قاعد أحسب بصمت، ولا أتكلم بوضوح؟ العدالة تكون مُربكة لما نخليها مقياس صامت ما يعلنه أحد، لكنها تصير ذكية لما تتحوّل لحوار.
العدالة قيمة عظيمة، لكنها تتحوّل في بعض العلاقات إلى عبء صامت. لما تصير مهووس إن كل شيء يكون متوازن، تبدأ تقيس مشاعرك وأفعالك وأفعال غيرك بميزان دقيق ما يرحم.وهنا تنكسر العلاقات، مو لأن أحدهم ظالم، بل لأن الطرفين متشبثين بعدّالة يرونها بأعينهم فقط.
جريد تقول: العلاقات ما تعيش بالعدالة، بل بالتكامل والمرونة.
اقرأ المزيد من القصص والأخبار المماثلة يوميًا على بريدك.