التاريخ : 2025-01-05
مدة القراءة : 3 دقائق
سهل التطور الرقمي حياتنا، مكننا من أن ننجز كثيرا من المهام، عن طريق تطبيقات في الجوال، سواء منها ما تتعلق بالعمل أو الترفيه أو متطلبات عائلية، لكنه بالمقابل، أضعف كثيرا من التواصل الشخصي المباشر، فصار معظم الأجيال الشابة، يجدون صعوبة في الحديث أمام الناس، لا يحسنون التصرف مع أشخاص لا يتفقون معهم، فما هو الحل؟ كيف نساعد الجيل القادم على اكتساب مهارات التواصل والتعامل مع الآخرين؟ الجواب من خلال الأدب. فالأدب [1]يساعدنا على من فهم شعور الإنسان، نقرأ مثلا، قصيدة لإنسان غاضب لكنه عاجز عن الانتقام، و أخرى قصيدة لإنسان غاضب وهو قادر على إظهار غضبه لكن يكظمها، وثالثة لإنسان غاضب من شخص يحبه، ورابعة إنسان غاضب من شخص أحسن إليه، فهو محتار بين حفظ المعروف والانتقام. وغيرها كثير، فعدد الحالات النفسية التي تناولتها كتب الأدب، ضخم جدًا، وتجعل فهمنا أعمق للتجربة الإنسانية. كما أن الترقي الوظيفي مرهون بسرد القصص[2]، فالموظف الذي يحسن عرض القصص، يجد الترقي الوظيفي سهلا عليه، لكن لأن كثيرا من الوظائف الحالية تعتمد على العلوم التطبيقية مثل : الرياضيات، الإحصاء، البيولوجيا، الهندسة، فقد يهمل الكثير من الطلاب دراسة الأدب، لأنهم يقولون لم نضيع أوقاتنا في دراسة قصيدة كتبت قبل ١٠٠٠ عام، أو تحليل أسطورة حكيت قبل ٢٠٠٠؟ لكن الأدب يعلمهم فن سرد القصص، كما أن الترقي الوظيفي مرهون أيضا بفهم الإنسان، دراسة الأدب [3]تحرر الموظف من سطوة المادة والعلم، وتنقله إلى رحاب الأدب والنفس. من ميزات الأدب، أن أعماله سواء كانت شعرا أو نثرا، يمكن الاستفادة منها في تلقي الحكمة، والتعلم من تجارب الآخرين، مهما طال الزمن. مثلا رواية دون كيخوته[4] وهي تحكي قصة رجل، أدمن قراءة كتب الفروسية حتى التاث عقله! وتوهم أنه فارس، و اشترى سيفا ورمحا وبغلة، وأخذ يتنقل بين المدن، باحثا عن النبيلات، لينقذهن من عبث الفساق! وخلال الرواية نلاحظ اختلاف تعامل الناس معه، فبعضهم يختار مسايرته على جنونه، آخرون يتجنبون التعامل معه، والبعض يحاول أن يصحح له أوهامه، وآخرون يواجهونه ويبارزنه بالسيف! مع أن الرواية كتبت قبل خمسة قرون، فما زلنا نصادف في حياتنا أمثال دون كيخوته، ونلاحظ أيضا أن الناس يتعاملون باختلاف، كما فعل من صادفوا دون كيخوته. ومثال آخر من تراثنا الأدبي، فمع أن المتنبي توفي قبل أكثر من ١٠٠٠ سنة، مازلنا نجد في شعره كثيرا من الحكمة. يتعمق فهمنا للتجربة الإنسانية من خلال دراسة الأدب، لأنه قدمها لنا مكثفة، بلا تفاصيل هامشية، فهو مثلا يعرض لنا مفهوم الظلم، أو الحب أو الرأفة من خلال قالب قصصي جذاب، وبتأمل هذا المفهوم، نستطيع إسقاطه[5] على من حولنا، حسب الحاجة لذلك. لا يقتصر دور الأدب في فهم الآخرين على نوع معين من البشر، فحتى فقد البصر أو القدرة على الحركة بسبب أعاقة، أو حتى لو سجن، يمكن أن يكون الأدب، سواء شعرا أو نثرا، وسيلة لفك القيود التي عليه[6]. لا ينحصر دور القصص والحكايات [7]على الجانب الترفيهي، وهو جانب مهم، بل إننا نتصور العالم من حولنا على شكل قصص، لذلك نجدها في النصوص الدينية، الإعلانات التجارية، المرافعات القضائية بل حتى في المناسبات الرياضية. فحتى يجمع الجيل القادم، بين الاستفادة من التقدم التقني مع الاحتفاظ بالقدرة على التواصل الفعال مع الآخرين، عليه أن يقبل على دراسة الأدب وتذوقه.
المراجع: [1] لماذا ندرس الأدب؟ د.محمد القواسمة، جريدة الدستور، الرابط [2] أنواع القصص التي تجعلك قائدا مميزا، نيك وسترغارد، مجلة هارفرد بزنس ريفيو، الرابط [3] لماذا ندرس الأدب؟ طارق القرني، جريدة الجزيرة السعودية، الرابط [4] رواية دون كيخوته، ثربانتس، ترجمة عبدالرحمن بدوي، الرابط [5] لماذا الأدب؟ منى المالكي، صحيفة عكاظ ، الرابط [6] متعة الأدب، خوري بورخيس، ترجمة جوهر عبدالمولى، الرابط [7] الحيوان الحكاء، جوناثان غوتشيل، الرابط [7] الحيوان الحكاء، جوناثان غوتشيل، الرابط