التاريخ : 2023-10-30
مدة القراءة : 3 دقائق
في المجتمعات العلمية وبين النخب المثقفة تعتبر جملة "لا يكون مصدرك ويكيبيديا؟" أحد أقسى أنواع الطعن في المصداقية والتهكم قسوة. فويكيبيديا ليست مرجعًا ثابتًا يمكن أن يعول عليه بحكم إتاحتها التحرير "لكل من هب ودب" مما يجعل نص المرجع نفسه -إن صح اعتباره مرجعًا- عرضة للتغير.
لو عرضت فكرة ويكيبيديا نظريًا على أي شخص في الماضي فغالبًا سينفجر ضاحكًا في وجهك ظنًا بأنك تمازحه! أتقول بأنك تنوي إنشاء موقع ثقافي معرفي يتحدث عن أي شيء وكل شيء من دون كتّاب أساسيين؟ والتعديل حق مشروع للجميع دون أي شروط؟!! وتود السيطرة على "الهبد" الحاصل بجعل "تدقيق المدقق يُدقق؟"
بالرغم من الطعن في مصداقية ويكيبيديا، لكن نموذجها بني بشكل أساسي على إتاحتها للتدقيق المفتوح، لكن هذا بالضبط ما يجعلها أهلًا للثقة، فقد وفرت ويكيبيديا منصة تسمع للجميع، مما يعني قصصًا أكثر، وثقافات أوسع، وأصواتًا جدد، ومساحة لإستقبال الحقائق التي لم يكلف أحدًا نفسه بالسؤال عنها.. وهكذا أصبحت ويكيبيديا السبيل لمعرفة الجوانب الجديدة في المشهد.
التحرير متاح لجميع القراء على ويكيبيديا -بإستثناء بعض المحتوى المحمي- لكن من بين مئات ملايين القراء في الشهر الماضي لم يكلف أحدًا نفسه التعديل على المحتوى بإستثناء ١٢٢ ألف قارئ، يعني أن النموذج يعمل بطريقة مشابهة لـ "كل ممنوع مرغوب" فقد دفع فتح أبواب التحرير على مصراعيه القراء للزهد برغبة التحرير؛ لدرجة أنك لو أجريت تعديلًا واحدًا على الموقع لا يتجاوز إضافة التنوين على كلمة ما فإنك ستصبح من الـ ٣٠٪ الأكثر تحريرًا على الموقع! إضافة على ذلك فإن ويكيبيديا تعتمد في التحرير على التدقيق المضاعف، أي أن كل مدقق سيأتي بعده سيل من المدققين لمراجعة صحة تدقيقه، وهي طريقة مشابهة لـ "مراجعة الأقران" المتبعة في الأبحاث العلمية؛ ولكن بدلًا من أي يراجع عدد من الزملاء مقالتك ستجد نفسك بمواجهة ملايين محاولات التدقيق من البشريين والروبوتات على حد السواء، وهكذا جادل خبراء الإعلام بأن مقالات ويكيبيديا قد تنافس الأبحاث الأكاديمية في دقتها.
لو بحثت عن أي سؤال الآن فمن المرجح أن يظهر لك مقال من ويكيبيديا يحمل الأجوبة التي تودها، حيث تأتي ٨٣٪ من زيارات الموقع عن طريق البحث المباشر، و السبب أن ويكيبيديا اختارت تجنب سوق الإعلانات برمته، وأخذت الكرة وخرجت من الملعب. وهكذا خيبت ظن المعلنين لكنها كسبت ثقة القراء، فقد أصبحت بعيدة عن خسارة مصداقيتها تحت تحديد سلاح التمويل.
ويكيبيديا مشروع غير ربحي، ورغم روعة التأثير على مصداقيتها لكنها حتى الآن تعتمد بشكل أساسي على أموال الدعم لتغطية تكاليفها التشغيلية التي بلغت ١٤٦ مليون دولار في العام الماضي وحده؛ لكن التحدي الأكبر الآن يكمن بحماية نفسها من تعديلات الذكاء الإصطناعي التي قد تفتك بها مع نموذج التحرير المفتوح.
اقرأ المزيد من القصص والأخبار المماثلة يوميًا على بريدك.